عندما أحاول أن أعزي نفسي بوجودي في البقعة من الأرض ؛ و عندما أحاول أن أرفض هواجس الرحيل من هذا المكان الذي أنتميت له أربعين عاما بالتمام بحكم الميلاد , و من ثم بحكم االمعاناة و الإنحياز لها , و بحكم الأحلام و السجائر و العرق و الدم ؛ و عندما أتشبث بفكرة : " تشاؤم العقل و تفاؤل الإرادة التي تلازمني منذ عشرين عاما؛ و عندما أختار أن أنحاز لإنسانيتي قبل أي شئ و كل شيء ؛ و عندما أحاول ألا أخوض في وحل غزة و مجاريها , فأن فكرة أن أكون مواطنا عالميا في غزة تداهمني إلى حد الجنون , محاولا التغلب على جنون الواقع الذي ظهرت تجلياته بجنون منقطع النظير عندما إنتصر السيف و البشاعة على كل أمل بالأفضل قبل عام في غزة .
هل لي أن أكون كوسموبوليتينيا في غزة وسط هذا القحط القاتل و الحصار الظالم و البشاعة التي تأبى أن يكون لها نظيرا. أحاول أن أحافظ على قيم ما و ألا أفعل ما يفعل الرومان عندما أكون في روما , و لكن هل أستطيع و غزة و هوائها المغموس بالماء يحاصرني من كل فج و ميل , و هل لي و قيمها الهلامية تلتف حولي من الأمام و الخلف و من فوق و من تحت .
هل لي ؟؟ ليس أمامي سوى ذلك لأعيش فيها و لها غير راكلاً أحلامي أو قاتلا لها بومضة فكرة جريئة أو بقرار متهور . ليس لي إلا أن أحافظ على إنسانيتي وسط هذا الركام من البشاعة