بلاادي

كنت دائما أحاول أن أنئى ببلادتي و كآبتي عن فكري و كلماتي
مستعيناً يقناعتي أنه الجمال هو ما نرسمه لا مانراه
و أن الموسيقى هي تلك التي نترنم بألحانها ،، ليست التي نسمعها ببرود ..

لكن لعلي لم أجد في نفسي القدرة على أن أرسم أي شيء كما اعتدت على رسم كل شيء
أو ربما أحاكي هذه البلادة التي تسكنني بالصمت الذي لا يفضي إلا لمثيله
فأجد كل شيء يدور بصمت فظيع ..

أحزن لفراق الناس ،، و تتثاقل خطاي إليهم .. خشيةً مما لا أدري ..
طويلاً كنت أكره العزلة و لازلت ..
لكن أجد راحتي في سيري الطويل وحيداً في طرقات غزة ..

متناقضات لازالت تختلج نفسي .. دون أن أعلم كيوننتها بعد أن ظننت أنني خبير بقسماتها
أحب الجماعة وحيداً ..
أخشى على نفسي من العزف المنفرد ،، لكني أراني لم أعد أحب سواه
أصبحت أؤثر الحديث إلى نفسي عن الحديث إلى التاس
ربما لأني فقدت من كان نفسي و اختلج كياني منذ نمت مداركي و اتسعت آفاقي ..

أسند كل كلمة إلى ربما ، و كل فكرة إلى الشك ..
لأنني "ربما" لم أعد متأكد من أي شيء ...

لكنني أحاول أن أجد في صمتي الغريب الذي لم أعتده على ذاتي
منفذاً إلى قسماتي التي ألفتها ..

ـــ حرب ـــ


هذا ما تبقى!


قبل نفاد البقية ، و انتهاء المؤونة ، لنبكي على ذكرى الصباح الغادي ،
تتوارد الأخبار تباعاً ، آخرٌ يتلو سابقه إلى التراب ،
تُساق معالم الحياة متسارعة إلى الحتف المخبأ في ظلال الحجر و الشجر ،
يسلب بقايا ما استنفد في الحصار ،
الحرب تغني لآلتها ، و تسوق النعوش المزينة بالنياشين العسكرية لأهلها ،
و تحفر قبور ضحاياها بزخِ من القنابل و الرصاص ،

و مع الظلام ،
تطير في الهواء بقايا النهار ،
و يستدرج الساهرون إلى الصمت ، فلم يعد لهم غير التمعن في تقاسيم السواد ،
و التنصت على ما بقي حياً بعد كل انفجار ،
و كلٌ ينتظر أمر السماء ،
و يصرخ في كل من بقي على قيد الحياة
لا تنتظر الآن ، فإنه قد حان وقت النصر أو الهزيمة
لا تهرب فإنه الموت الموزع في البلاد ،
لا مكان أقل موتاً ،

في الحرب تصير الغارات مواقيتاً للناس و الصلوات جنائز ،
يحترق كل شيء ، كما يحترق الزيت في السراج
لا يبقى منه غير الدخان ، و لا يسلب منه إلا الضياء ،
إذاً ، لتبقى آخر الأخبار ،
تنتظر البقية ،
و خبراُ عاجلاً ،،

اليوم الثامن !


ها طريقي ، بعد أن طل عليه الصباح ، و كشف ما خبأه الظلام ،
لا أعلم كيف كنت أسير خلاله و هو يموت ،


مساءٌ ضج بالموت ،
خارج البيت أبحث عن شيءٍ يقلني إلى البيت ،
أي شيء ، المهم أن يكون أسرع بي إلى بيتي من حتفي إلي ،
أمشي ، أخف ، أهرول ، أركض ،،
لا أرى غير الظلام ، و قليل من أنوار السيارات الهاربة منه ،
مع كل قذيفةٍ تهوي من راجمات الجو و الأرض ،
يسكنني قلق أن تهواني فألجأ إلى شظاياها ،
و أرتاح أخيراً حين أسمع انفجارها لأن حب تلك القذيفة لم يخطبني أو مكاني ،
أخيراً حللت إلى بيتي على غير ما حللت منه ،
لم أرى أمامي سوى أمي الباكية ،
استبق قلبُها نبأً عظيماً ، و أطلقت في خوفٍ علي بكاء ،
و كأنها بي ألوذ بين ذراعيها ، عطشاء ابتل رمقها ،
و كأني بها استبدلت الهواء المثقل على يدي روحاً إليهم ، و إلى قلبي
حينها أدركت أن الموت الواصل في كل مكانٍ في وطني ،
لم يكن لينساني لولا دموع أمي الجارية
و قلبها الخفاق ..

تحزنني ولا أرثيكَ .


ككل شيء ،،

في قلبه تجلو الصور ،
كالياسمينة
تنشد الشعر
الظليل به وطن
مثل الكلام
و مثل المطر
مثل أفنية البيوت
الباعثات إلى الهوى
عطراً
يزف الريح
في خفرٍ إلى الشمسِ
و مثل شقائق النعمان
في دم الأرض
قتلت الموت بالموت
صرعت الخوف بالشعر
تركت على الزمان
أديمه ذكرى الوطن
هذي البلاد
تنص أقداراً
لها تحنو الهمم
و هناك
على آخر الجبل
ي غابة اللوز القديمة
تنحني كل المنايا
في خجل
تفنى المراثي
في قصائد
ترسم الحلم الكبير
على ظلال الشمس
تعيشنا الأيام
في ذكرى وطن
و يلمع التاريخ
في وجه التراب
على حجر
و الزيتونة الأولى
في شعر البلاد
لازالت مخلدةً
تعيش حتى اليوم
تحيا بشعرك سيدي
أنت المطر ،،
و بقربها
طفلةٌ تبكي
على أم القصيدة
في تحانينك
على طفولة الشيب
و عشق القمر
هذي الجميلة
تبتغي شعراً و أغنيةً
فأين الشعر في مثواك ؟
أين العمر ؟
أنت الشعر
في كل القصائد و الأغاني و البلاد
في زيتونةٍ تبغي تراباً
في دم الأرض
في ريح غزة و المثلث و النقب
في سور عكا ، بحر حيفا
في الغضب
في القدس العتيقة
تشتكي هماً
إلى رب العباد
بلا وهن
هذا سلامي
لا أبتغي بدلاً
عن الشعر شعراً
و لا درويش شعراء